كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والخمار: ثوب تضعه المرأة على رأسها لستر شعرها وجيدها وأذنيها وكان النساء ربما يسدلن الخمار إلى ظهورهن كما تفعل نساء الأنباط فيبقى العنق والنحر والأذنان غير مستورة فلذلك أُمرْنَ بقوله تعالى: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن}.
والضرب: تمكين الوضع وتقدم في قوله تعالى: {إن الله لا يستحيِ أن يضرب مثلًا} في سورة البقرة (26).
والمعنى: ليشددن وضع الخمر على الجيوب، أي بحيث لا يظهر شيء من بشرة الجيد.
والباء في قوله: {بخمرهن} لتأكيد اللصوق مبالغة في إحكام وضع الخمار على الجيب زيادة على المبالغة المستفادة من فعل {يضربن}.
والجُيوب: جمع جيب بفتح الجيم وهو طوق القميص مما يلي الرقبة.
والمعنى: وليضعن خمرهن على جيوب الأقمصة بحيث لا يبقى بين منتهى الخمار ومبدأ الجَيب ما يظهر منه الجيد.
وقوله: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن} أعيد لفظ {ولا يبدين زينتهن} تأكيدًا لقوله: {ولا يبدين زينتهن} المتقدم وليبني عليه الاستثناء في قوله: {إلا لبعولتهن} إلخ الذي مقتضى ظاهره أن يعطف على {إلا لبعولتهن} لبعد ما بين الأول والثاني، أي ولا يبدين زينتهن غير الظاهرة إلا لمن ذُكروا بعد حرف الاستثناء لشدة الحرج في إخفاء الزينة غير الظاهرة في أوقات كثيرة، فإن الملابسة بين المرأة وبين أقربائها وأصهارها المستثنين ملابسة متكررة فلو وجب عليها ستر زينتها في أوقاتها كان ذلك حرجًا عليها.
وذكرت الآية اثني عشر مستثنى كلهم ممن يكثر دخولهم.
وسكتت الآية عن غيرهم ممن هو في حكمهم بحسب المعنى.
وسنذكر ذلك عند الفراغ من ذكر المصرح بهم في الآية.
والبعولة: جمع بعل.
وهو الزوج، وسيد الأَمَة.
وأصل البعل الرب والمالك وسمي الصنم الأكبر عند أهل العراق القدماء بعْلًا وجاء ذكره في القرآن في قصة أهل نينوى ورسولهم إلياس، فأطلق على الزوج لأن أصل الزواج ملك وقد بقي من آثار الملك فيه الصداق لأنه كالثمن.
ووزن فعولة في الجموع قليل وغير مطرد وهو مزيد التاء في زنة فعول من جموع التكسير.
وكل من عد من الرجال الذين استُثْنوا من النهي هم من الذين لهم بالمرأة صلة شديدة هي وازع من أن يهموا بها.
وفي سماع ابن القاسم من كتاب الجامع من العتبية: سئل مالك عن الرجل تضع أم امرأته عنده جلبابها قال: لا بأس بذلك.
قال ابن رشد في شرحه: لأن الله تعالى قال: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن} الآية، فأباح الله تعالى أن تضع خمارها عن جيبها وتبدي زينتها عند ذوي محارمها من النسب أو الصهر. اهـ.
أي قاس مالك زوج بنت المرأة على ابن زوج المرأة لاشتراكهما في حُرمة الصهر.
والإضافة في قوله: {نسائهن} إلى ضمير {المؤمنات}: إن حملت على ظاهر الإضافة كانت دالة على أنهن النساء اللاتي لهن بهن مزيد اختصاص فقيل المراد نساء أُمَّتِهن، أي المؤمنات، مثل الإضافة في قوله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} [البقرة: 282]، أي من رجال دينكم.
ويجوز أن يكون المراد أو النساء.
وإنما أضافهن إلى ضمير النسوة إتباعًا لبقية المعدود.
قال ابن العربي: إن في هذه الآية خمسة وعشرين ضميرًا فجاء هذا للإتباع. اهـ.
أي فتكون الإضافة لغير داع معنوي بل لداع لفظي تقتضيه الفصاحة مثل الضميرين المضاف إليهما في قوله تعالى: {فألهمها فجورها وتقواها} [الشمس: 8] أي ألهمها الفجور والتقوى.
فإضافتهما إلى الضمير إتباع للضمائر التي من أول السورة: {والشمس وضحاها} [الشمس: 1] وكذلك قوله فيها: {كذبت ثمود بطغواها} [الشمس: 11] أي بالطغوى وهي الطغيان فذكر ضمير ثمود مستغنى عنه لكنه جيء به لمحسن المزاوجة.
ومن هذين الاحتمالين اختلف الفقهاء في جواز نظر النساء المشركات والكتابيات إلى ما يجوز للمرأة المسلمة إظهاره للأجنبي من جسدها.
وكلام المفسرين من المالكية وكلام فقهائهم في هذا غير مضبوط.
والذي يستخلص من كلامهم قول خليل في التوضيح عند قول ابن الحاجب: وعورة الحرة ما عدا الوجه والكفين.
ومقتضى كلام سيدي أبي عبد الله بن الحاج: أما الكافرة فكالأجنبية مع الرجال اتفاقًا. اهـ.
وفي مذهب الشافعي قولان:
أحدهما: أن غير المسلمة لا ترى من المرأة المسلمة إلا الوجه والكفين ورجحه البغوي وصاحب المنهاج البيضاوي واختاره الفخر في التفسير.
ونقل مثل هذا عن عمر بن الخطاب وابن عباس، وعلله ابن عباس بأن غير المسلمة لا تتورع عن أن تصف لزوجها المسلمة.
وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح: أنه بلغني أن نساء أهل الذمة يدخلن الحمامات مع نساء المسلمين فامنعْ من ذلك وحُلْ دونه فإنه لا يجوز أن ترى الذمية عِرْيَة المسلمة.
القول الثاني: أن المرأة غير المسلمة كالمسلمة ورجحه الغزالي.
ومذهب أبي حنيفة كذلك فيه قولان: أصحهما أن المرأة غير المسلمة كالرجل الأجنبي فلا ترى من المرأة المسلمة إلا الوجه والكفين والقدمين، وقيل: هي كالمرأة المسلمة.
وأما ما ملكت أيمانهن فهو رخصة لأن في ستر المرأة زينتها عنهم مشقة عليها.
لكثرة ترددهم عليها.
ولأن كونه مملوكًا لها وازع له ولها عن حدوث ما يحرم بينهما، والإسلام وازع له من أن يصف المرأة للرجال.
وأما التابعون غير أولي الإربة من الرجال فهم صنف من الرجال الأحرار تشترك أفراده في الوصفين وهما التبعية وعدم الإربة.
فأما التبعية فهي كونهم من أتباع بيت المرأة وليسوا ملك يمينها ولكنهم يترددون على بيتها لأخذ الصدقة أو للخدمة.
والإربة: الحاجة.
والمراد بها الحاجة إلى قربان النساء.
وانتفاء هذه الحاجة تظهر في المجبوب والعنين والشيخ الهرم فرخص الله في إبداء الزينة لنظر هؤلاء لرفع المشقة عن النساء مع السلامة الغالبة من تطرق الشهوة وآثارها من الجانبين.
واختلف في الخصي غير التابع هل يلحق بهؤلاء على قولين مرويين عن السلف.
وقد روي القولان عن مالك.
وذكر ابن الفرس: أن الصحيح جواز دخوله على المرأة إذا اجتمع فيه الشرطان التبعيّة وعدم الإربة.
وروي ذلك عن معاوية بن أبي سفيان.
وأما قضية هيتٍ المخنث أو المخصي ونهى النبي صلى الله عليه وسلم نساءه أن يدخلن عليهن فتلك قضية عين تعلقت بحالة خاصة فيه.
وهي وصفه النساء للرجال فتقصى على أمثاله.
ألا ترى أنه لم ينه عن دخوله على النساء قبل أن يسمع منه ما سمع.
وقرأ الجمهور: {غير أولي الإربة} بخفض {غير}.
وقرأه ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر بنصب {غير} على الحال.
والطفل مفرد مراد به الجنس فلذلك أجري عليه الجمع في قوله: {الذين لم يظهروا} وذلك مثل قوله: {ثم نخرجكم طفلًا} [الحجّ: 5] أي أطفالًا.
ومعنى: {لم يظهروا على عورات النساء} لم يطلعوا عليها.
وهذا كناية عن خلو بالهم من شهوة النساء وذلك ما قبل سن المراهقة.
ولم يذكر في عداد المستثنيات العم والخال فاختلف العلماء في مساواتهما في ذلك: فقال الحسن والجمهور: هما مساويان لمن ذكر من المحارم وهو ظاهر مذهب مالك إذ لم يذكر المفسرون من المالكية مثل ابن الفرس وابن جزي عنه المنع.
وقال الشعبي بالمنع وعلل التفرقة بأن العم والخال قد يصفان المرأة لأبنائهما وأبناؤهما غير محارم.
وهذا تعليل واهٍ لأن وازع الإسلام يمنع من وصف المرأة.
والظاهر أن سكوت الآية عن العم والخال ليس لمخالفة حكمهما حكم بقية المحارم ولكنه اقتصار على الذين تكثر مزاولتهم بيت المرأة، فالتعداد جرى على الغالب.
ويلحق بهؤلاء القرابة من كان في مراتبهم من الرضاعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».
وجزم بذلك الحسن، ولم أر فيه قولًا للمالكية.
وظاهر الحديث أن فيهم من الرخصة ما في محارم النسب والصهر.
{وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ}.
الضرب بالأرجل إيقاع المشي بشدة كقوله: يضرب في الأرض.
روى الطبري عن حضرمي: أن امرأة اتخذت بُرتين تثنية بُرَة بضم الباء وتخفيف الراء المفتوحة ضرب من الخَلْخَال من فضة واتخذت جَزْعًا في رجليها فمرت بقوم فضربت برجلها فوقع الخلخال على الجزع فصوت فنزلت هذه الآية.
والتحقيق أن من النساء من كن إذا لبسن الخلخال ضربن بأرجلهن في المشي بشدة لتسمع قعقعة الخلاخل غنجًا وتباهيًا بالحسن فنهين عن ذلك مع النهي عن إبداء الزينة.
قال الزجاج: سماع هذه الزينة أشد تحريكًا للشهوة من النظر للزينة فأما صوتُ الخلخال المعتادُ فلا ضير فيه.
وفي أحاديث ابن وهب من جامع العتبية: سئل مالك عن الذي يكون في أرجل النساء من الخلاخل قال: ما هذا الذي جاء فيه الحديث وتركُه أحب إليّ من غير تحريم.
قال ابن رشد في شرحه: أراد أن الذي يحرمُ إنما هو أن يقصدْنَ في مشيهن إلى إسماع قعقعة الخلاخل إظهارًا بهن من زينتهن.
وهذا يقتضي النهي عن كل ما من شأنه أن يُذَكِّرَ الرجل بلهو النساء ويثير منه إليهن من كل ما يُرى أو يسمع من زينة أو حركة كالتثني والغناء وكلم الغَزَل.
ومن ذلك رقص النساء في مجالس الرجال ومن ذلك التلطخ بالطيب الذي يغلب عبيقه.
وقد أومأ إلى علة ذلك قوله تعالى: {ليعلم ما يخفين من زينتهن} ولعن النبي صلى الله عليه وسلم المستوشمات والمتفلجات للحسن.
قال مكي بن أبي طالب ليس في كتاب الله آية أكثر ضمائر من هذه الآية جمعت خمسة وعشرين ضميرًا للمؤمنات من مخفوض ومرفوع وسماها أبو بكر ابن العربي: آية الضمائر.
{وتوبوا إِلَى الله جَمِيعًا أَيُّهَ المؤمنون لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
أعقبت الأوامر والنواهي الموجهة إلى المؤمنين والمؤمنات بأمر جميعهم بالتوبة إلى الله إيماء إلى أن فيما أمروا به ونهوا عنه دفاعًا لداع تدعو إليه الجبلة البشرية من الاستحسان والشهوة فيصدر ذلك عن الإنسان عن غفلة ثم يتغلغل هو فيه فأمروا بالتوبة ليحاسبوا أنفسهم على ما يفلت منهم من ذلك اللمم المؤدي إلى ما هو أعظم.
والجملة معطوفة على جملة: {قل للمؤمنين} [النور: 30].
ووقع التفات من خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى خطاب الأمة لأن هذا تذكير بواجب التوبة المقررة من قبل وليس استئناف تشريع.
ونبه بقوله: {جميعًا} على أن المخاطبين هم المؤمنون والمؤمنات وإن كان الخطاب ورد بضمير التذكير على التغليب، وأن يؤملوا الفلاح إن هم تابوا وأنابوا.
وتقدم الكلام على التوبة في سورة النساء (17) عند قوله تعالى: {إنما التوبة على الله} وكتب في المصحف {أيه} بهاء في آخره اعتبارًا بسقوط الألف في حال الوصل مع كلمة {المؤمنون}.
فقرأها الجمهور بفتح الهاء بدون ألف في الوصل.
وقرأها أبو عامر بضم الهاء إتباعًا لحركة أيّ.
ووقف عليها أبو عمرو والكسائي بألف في آخرها.
ووقف الباقون عليها بسكون الهاء على اعتبار ما رسمت به. اهـ.